icon

DO GOOD FOR OTHERS

shape
shape

الثورة السورية وأثرها على الدولة المصرية

  • يناير 7, 2025

الثورة السورية وأثرها على الدولة المصرية

تقدير موقف
رسخت الثورة السورية إحساسًا بالخيبة والخوف عند معظم النظم العربية وخاصة النظام المصري وذلك للعديد من الأسباب، أبرزها أن هذه الثورة أعادت تعويم الإسلام السياسي في المنطقة من جديد بعدما كانت الدول العربية قد بذلت الكثير من الجهد والمال والعلاقات مع الدول وجماعات الضغط والمصالح الغربية لوصم هذه الجماعات بالإرهابية وإخراجها من معادلة السياسة وحصرها في زاوية الإرهاب والمواجهات المسلحة، من الأسباب أيضا أن هذه الدول كانت قد انفتحت على النظام السوري في السنتين الماضيتين واستقبل في القمم العربية 2023 و2024، وأيضا مشاركته اللافتة في القمة العربية الإسلامية 2024 ، إضافة إلى ذلك ـ وقد يكون هذا أهم أسباب الانزعاج المصري ـ الانهيار الكبير للجيش العربي السوري وهو الذي تربطه بالجيش المصري علاقات مادية ومعنوية قديمة، كما لا يمكن التقليل من مسألة إعادة ترتيب أوراق القوى الإقليمية بصورة مؤثرة وخاصة تركيا وتزايد نفوذها في المنطقة فهو على حساب مصر على أي حال من الأحوال والتراجع الكبير للنفوذ الإقليمي الإيراني، والتوحش غير المسبوق لإسرائيل سواء في قطاع غزة أو لبنان أو سوريا مؤخرا.

الثورة السورية:
تحدث الكثير من المراقبين والسياسيين على أن الثورة السورية قد فاجأت العالم، وأنها انطلقت بدون تنسيق مع أي من الأطراف الإقليمية والدولية، وهو قول بعيد إلى حد كبير عن الحقيقية رغم أننا لا ننكر أن هناك مفاجأة في الأمر، فالمعارضة في الشمال السوري تحت مجهر معظم دول العالم، ولا يمكن أن تأخذ هذه الخطوة الكبيرة دون تنسيق أو على الأقل دون رصد ومتابعة العديد من دول العالم، أما المفاجأة الحقيقية من وجهة نظرنا والتي فاجأت جميع الأطراف، ويدل على ذلك مراسلات المخابرات الأردنية مع نظيرتها السورية ـ التي تم العثور عليها عقب الثورة واقتحام المكاتب الرسمية ـ هو موقف الجيش السوري من هجوم المعارضة، وانسحابه وانهياره بهذه الصورة التي لم تكن في الحسبان.

إلا أن نجاح الثورة السورية في طبعتها الثانية تقدم درسًا غاية في الأهمية لجميع القوى السياسية والنظم الحاكمة عن أهمية الحاضنة الشعبية، وعن الدور المهم الذي يمارسه الشعب في حماية النظم الرسمية أو تمكين القوى السياسية، وأن الجيوش لن تنفع أحد ـ بحسب التجربةـ ومن ثم يجب أن يكون رهان النظم دائما على الشعوب لأنها الأبقى، فها هو النظام السوري قد فجأ فقد الحليفين الدولي والإقليمي معا كما تنكرت له المليشيات المسلحة وتخلت عنه بصورة مفاجأة القوات النظامية، أما الشعب فلم يثور ولم يخرج على النظام ولكن أسقطه بعدم تأييده أو دعمه أو حمايته مما فتح الباب واسعًا أمام تمكين القوى المعارضة المسلحة وانهيار ساحق للنظام السياسي ومؤسساته ورموزه وسجونه.

من ناحية أخرى فإن قيادة المعارضة ممثلة في أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع، فحدث ولا حرج عن الاستراتيجيات والخطط التي ترسم له تحركاته بدقة فائقة، ويكفي نجاح استراتيجية تخليصه من الصورة الجهادية السابقة، وإعادة تعويمه وتقديمه للمجتمع الدولي بأنه قائد سياسي يمكن الحديث معه والاستماع إليه ولديه تصورات قابلة للتطبيق وتحظى بقبول دولى وقد التقى خلال الفترة السابقة العديد من وسائل الإعلام الدولية والتقى كبار المسؤولين من دول العالم ومبعوثي الأمم المتحدة، أما على مستوى الداخل، فالصورة العامة عنه أنه عدم تلهفه على السلطة، ولم تظهر له صورا في القصر الجمهوري إلا بعد مرور فترة من الزمن تم فيها الكشف عن جرائم النظام السابق، أيضا استفاد من تجربة حكمه في الشمال السوري، كما استفاد من كوادره الحكومية، كذلك كان حريصا على أن يعامل جميع المنتمين إلى النظام السابق بوعي وبـأسس ثابتة ترضي جميع السوريين مما دعم حاضنته الشعبية واكتسب أطيافا جديدة من المواطنين السوريين في الداخل والخارج دون أن يفقد أي من حلفائه السابقين.

إلا أن أهم ما دعم موقف أحمد الشرع في سوريا إضافة إلى هروب الجيش السوري وكشف جرائم وانتهاكات النظام السابق هو الموقف التركي ـ القطري، وهو موقف مركب شديد التعقيد، يحتاج تفسيره لمعلومات غير متوفرة لدى الكثيرين، إلا أن ملامح الحضور القطري في المشهد السوري لا تخفى على أحد، فقد عمل هذا الحلف بتناغم كبير منذ اليوم الأول فقد استطاع أن يقنع الأطراف الإقليمية النافذة في سوريا بعدم الانخراط في الحرب، وترك الأطراف السورية تعيد ترتيب أمورها بمفردها، وبذلك استطاع أن يفقد النظام السوري أهم مصادر قوته، كما تم تنظيم زيارة مشتركة من مسؤوليين أمنيين من البلدين إلى سوريا وكانت أول زيارة دولية رسمية للقيادة الثورة، ومن ثم كان لهذا الدور الأثر الكبير في الهروب الجماعي لقيادات النظام السوري وجيشه بصورة غير متوقعة أو متصورة.
قدم النظام السوري السابق خدمة عظيمة لأحمد الشرع تتمثل في أن أي فعل يقوم به الشرع وإن كان بسيطا يكسبه دعما وقوة جديدة لأن النظام السابق كان قد ترك سوريا في أسوأ حالاتها على كافة الخدمات ففي حقيقة الأمر لم يكن نظاما بقدر ما كان عصابة تنهب وتسرق وتقتل وتتاجر في المخدرات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.


توقيت تحرير سوريا:
تناولت الفقرة السابقة الحديث عن عوامل نجاح الثورة السورية ولم تتحدث عن توقيت التحرك وذلك لكي يتم التفصل فيه لقيمته الكبيرة في تحقيق نجاح الثورة، فقد جاء تحرك المعارضة السورية في اليوم التالي لوقف الحرب بين حزب الله وإسرائيل، وقد فقد حزب الله في تلك الحرب الكثير من مصادر قوته وخاصة قياداته، ومخازن أسلحته، بالإضافة إلى رصيده الرمزي والمعنوي بعدما تم الكشف عن مدى ضعفه الأمني والاستخباراتي، وكامن عملية البيجر مؤثرة جدا في ذلك، وقد خرج من هذه الحرب وهو في أضعف حالاته، مما يعني تقويض لقوة كل من إيران وسوريا من جانب، ومن جانب أخر أفقدت المعارضة السورية بتحركها الذكي في اليوم التالي لوقف إطلاق النار الحجج التي كان من الممكن أن تستخدمها كل من إيران وحزب الله لافشال الثورة والزعم بأن المعارضة تحاول الإضرار بالحزب خلال استغلال حربه مع إسرائيل، والتشويش على دوره في دعم المقاومة ومقاومة العدو الإسرائيلي، فتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار أفقد هذه الحجج قيمتها ومصداقيتها.
جانب أخر من جوانب التوقيت تمثلت في استغلال الحالة الأمريكية فهي اليوم تعيش في مرحلة انتظار للرئيس القادم، وتجميد للرئيس السابق لأن فوز ترامب أدخل مؤسسات الدولة الأمريكية في حالة من العطالة والبطالة انتظارا للرئيس الجديد وكان من الممكن أن يتغير الحال إذا ما فازت كاميلا هاريس مرشحة الإدارة السابقة لأنه في ذلك السيناريو كان عمل البيت الأبيض لني تأثر بفترة تغيير الإدارة لأنها عمليا كما هي، ولكن فوز ترامب وسقوط هاريس خلق الواقع الراهن، من ناحية أخرى خدم فوز ترامب الثورة السورية أيضا في إصابة الموقف الروسي بالشلل، فقد نظرت روسيا إلى ترامب بصورة مختلفة فهي تأمل في إنهائه لملف الحرب بينها وبين أوكرانيا ولذلك لم ترد أن تتورط في الأزمة السورية وأرادت أن تعيد تقديم نفسها لترامب بأنها قابلة للتفاهم، وأنها راغبة أكثر في سيادة السلام العالمي، وأنها من الممكن أن تقلص دورها ونفوذها الخارجي إذا ما تم حل المشكلة المزمنة على حدودها.

المعادلات الإقليمية عقب انتصار الثورة السورية
إيران: تعتبر الخاسر الأكبر من الثورة السورية فقد مثل فقدانها سوريا فقد نفوذ إقليمي لا يقدر بثمن استطاعت من خلاله سابقا مد حزب الله بكل ما يحتاجه من سلاح وإمكانات متنوعة، كما استطاعت أن تمارس ضغوطا كبيرة تجاه إسرائيل وتجاه القوى الإقليمية الأخرى، وعلى الرغم من أن نفوذها الإقليمي قد تقلص بعد خسارة حزب الله الحرب مع إسرائيل إلا أن خسارة النظام الحاكم في سوريا عمقت من الهزيمة وضاعفت من زمن عودة إيران إلى التأثير في الإقليم من جديد، ولم يعد لها إلا العراق وبؤرة اليمن، ومن المتوقع أن يستمر نزيف خسارتها الإقليمية في المستقبل القريب، الأمر الذي قد يدفعها إلى التركيز على إنتاج القنبلة النووية وهو الأمر الذي تتحسب له أمريكا وإسرائيل بشكل يبدو واضحا ومن ثم فقد تتلقى إيران ضربة عسكرية تقوض هذه القدرات المحتملة، ما يعني أن فقدان إيران لسوريا له أثمان مضاعفة وما يظهر منه الآن مثل قمة جبل الجليد العائم.

تركيا: على العكس تماما من إيران فتركيا الأكثر استفادة من هذا التحرك واستطاعت أن تعيد نفوذها الإقليمي وتحل الكثير من الأزمات والمشاكل على المستوى الداخلي والخارجي بشكل غير متوقع أو ما يمكن أن نسميه تفكير خارج الصندوق، فمنذ الآن لم تعد مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا تؤرق الحزب الحاكم، وباتت علاقاتها استراتيجية مع سوريا، ومن الممكن أن يتم توقيع اتفاقات دفاع مشترك والعديد من الاتفاقيات الاستراتيجية الأخرى في كافة المجالات، كما توفر سوريا لتركيا بوابة مباشرة على العديد من الأسواق الإقليمية في الأردن ودول الخليج جميعا، وأصبحت لديها شبه حدود مباشرة مع إسرائيل تستطيع أن تفرض معادلات مهمة في هذا السياق، من المكاسب التي لا تقل أهمية عما سبق أن تركيا أصبحت قادرة على مواجهة الأزمة الكردية خارج أراضيها كما تحلم دائما، ناهيك عن استحواذها على مشروع إعمار سوريا وما سيعود عليها جراء ذلك من خير وفير.

إسرائيل: سلوك إسرائيل عقب انهيار نظام بشار الأسد يؤكد أن إسرائيل خسرت حليفا جيدا أو على الأقل جارا طيبا بالنسبة لها لم يكن يمارس عليها أي تهديد، كما أنها سارعت إلى خلق واقع جديد يمكنها من خلاله التفاوض مع ثبات ما حصلت عليه في 1967، وأي أن إسرائيل تحركت لتخلق واقعا جديدا يكون محل تفاوض أو ضغط على الثورة الجديدة، بصناعة مشكلات لها على الحدود تقوض قدرتها على السيطرة على الأوضاع الداخلية، ومن ثم فإن أقصى ما يمكن أن تخسره إسرائيل في الوقت الراهن هو العودة إلى ما قبل ديسمبر 2024، ناهيك عن تدميرها الفعلي والرمزي لقدرات الجيش السوري ورمزية ذلك على دول وشعوب الإقليم جميعا، وخاصة الدولة المصرية التي أرادت لها إسرائيل أن تستقبل الرسالة دون تشويش، رسالة واضحة وضوح الشمس أدركها الصغير قبل الكبير.

الدول العربية: فيما يبدو أن الجدار الذي صنعته الدول العربية من الثورة السورية آخذ في الانهيار خصوصا بعدما بات من المعلوم نجاح هذه الثورة، وتصاعد حالة من القبول العالمي لها، واعتراف الأطراف الإقليمية المؤثرة في هذا الملف بنجاح الثورة، ومن ثم رأينا السعودية تتجه نحو تقبل الثورة، بل إن ما يؤكد ذلك هو رسالة ملك البحرين باعتباره رئيس القمة العربية لقائد الثورة السورية أحمد الشرع بمباركة الثورة وأن بلاده باعتبارها رئيسة القمة العربية هذه الدورة تنظر إليه بإيجابية.

وقد مثل خطاب ملك البحرين إلى قائد الثورة السورية تراجعا عن الموقف العربي الذي عبر عنه اجتماع العقبة الذي تضمن عدة بنود رفضها الكثير من السوريين ووصفوها بأنها تريد إعادة النظام القديم، ومن هذه البنود:
• الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق وتقديم كل العون والإسناد له واحترام إرادته وخياراته.
• ضرورة الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية.
• يجب توفير الدعم الإنساني الذي يحتاجه الشعب السوري.
• الالتزام بتعزيز مكافحة الإرهاب ومنع خطره على أمن سوريا والمنطقة والعالم ويشكل دحره أولوية جامعة.


الموقف المصري وتقاطعاته مع الثورة السورية:
هناك تقاطعات مباشرة وغير مباشرة بين الثورة السورية والدولة المصرية (النظام والشعب)، ومن ثم فإنه من المهم التعرض لجانبي التقاطعات بمستوياتها المختلفة، أولها:
التقاطعات المباشرة:
الصداقة المعلنة بين قيادات الثورة ومعارض مصري: كشفت الثورة السورية، عن صورة لمعارض مصري مع قائد الثورة السورية، وقد لاقت هذه الصورة رواجا كبيرا واستخدمها الاعلام المصري ليؤكد على ما لا يحتاج الى تأكيد ألا وهو الوجه الإسلامي لثورة سوريا، إلا أنه ما يجب أن يلفت النظر أكثر، أن المعارض الذي كان في سوريا منذ بداية اجتياح المعارضة ونشر صورا داخل قلعة حلب بعد تحريرها، التقطوا له صورة رفقة سياسي تركي شهير، وقائد الثورة السورية ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الصورة خلفها ما خلفها من حسابات إقليمية ودولية، وقد يكون ذلك مبررا للهجوم الذي تعرضت له تركيا، ورئيسها حتى خلال وجوده في مصر للمشاركة في القمة الاقتصادية وهو أمر غير مألوف أن يهاجم ضيف قبل أن يغادر فقد نشر أحد أعضاء مجلس النواب المصري تغريدة على صفحاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي تسخر من أردوغان خلال وجوده في القصر الجمهوري المصري.
وجود جنود مصريين في الثورة السورية: كشفت مقاطع الفيديو المنتشرة وجود جنود مصريين من بين قوات الثورة السورية، وهو أمر خطير جدا، حيث يمثل ذلك رصيد خبرات كبير ضد النظام المصري يعيه جيدا ويتحسب له، وقد أشار أحمد الشرع إلى أن هناك جنود من جنسيات غير سورية ولكن عددهم غير كبير.

التقاطعات غير المباشرة:
الهجوم الإسرائيلي على الجيش السوري: رغم أن بعض أصحاب الرؤى والتحليل الاستراتيجي مثل وضاح خنفر يرون أن إسرائيل ستخسر في المستقبل لسلوكها الحالي تجاه سوريا، وإن كان هذا المقام ليس للجدال حول هذا التحليل، إلا أن الأولى بالتناول هو أن إسرائيل تدرك ما تفعله جيدا، وهي تريد أن توجه رسائل إلى مفاصل معينة في الدولة المصرية تؤكد خلالها أن سوريا هي بروفة لما يمكن أن يحدث في مصر، ولم يكذب زعيم الحوثيين خبرا وخرج بتصريح ليؤكد أن ما تفعله إسرائيل هو رسالة للجيش المصري، إسرائيل لا تريد تغيير النظام في مصر، وتعمل على تصدير حالة من الرعب لدى المؤسسات ولدى القوى النافذة والمتنفذة في مصر، أن اليوم التالي لمحاولة إسقاط النظام سيقوم الجيش الإسرائيلي بدك المواقع العسكرية الحيوية المصرية، بزعم أن لا تقع هذه الموارد في أيدي من لا يحسن تطويعها لصالح إسرائيل.

هروب الجيش السوري: الأخطر من ذلك هو تفكك الجيش السوري في سويعات معدودة، فلم يكن هناك أي رابط مادي أو معنوي يربط بين الجيش وكل من الدولة أو النظام السياسي أو حتى الوحدات العسكرية التي كانوا يعيشون فيها، فعند لحظة الحقيقة اكتفوا بأن غيروا ملابسهم بالملابس المدنية وغادروا وحداتهم الميدانية وتركوا أسلحتهم الشخصية وآلياتهم العسكرية بما في ذلك الطائرات وما أكبر من ذلك وما أقل، وانطلقوا إلى منازلهم، هذا ما يراود المسؤولين المصريين ويذهب بلباهم، ويجعلهم في موقف لا يحسدون عليه، ماذا سيفعلون إذا ما تكرر هذا الموقف في مصر، قد يقول قائل أن مصر ليست سوريا، وهو قول حق ولكن يراد به باطل، ولا يشترط أن يكون الانهيار بنفس الصورة، وإنما للهروب أشكال متعددة ومبتكرة.

الوضع الإقليمي: لم يكن الوضع الإقليمي يحتاج لتدهور أكثر أكثر من ذلك بعد تضخم دور تركيا واكتسابها حليف في أخطر وأهم مناطق ومساحات الأمن القومي المصري (أمن مصر يبدأ من الشام)، ولا قيام إسرائيل بتدمير سمعة وموارد الجيش السوري، ولكن أيضا قامت روسيا بنقل تواجدها العسكري المكثف إلى ليبيا، أي أن مصر باتت محاطة بالأخطار من كل جانب، غزة وما يجري فيها، سوريا وما وصلت إليه، السودان وما يعيشه من مخاطر وأزمات وحروب وتهجير، وأخيرا ليبيا فقد تضاعف همها عند مصر مضاعفات كثيرة بعد وصول النفوذ الروسي إليها، ما يعني أن هذه المنطقة ستجتذب مزيدا من الفواعل الدولية، الأمر الذي يخلق ضغوطا شديدة على مصر بأشكال متنوعة.

وكأن الأوضاع الإقليمية الحالية لا تكفي، فإن الدور الذي لعبته قطر في الثورة السورية ودعمها في القنوات الخلفية لتركيا ودورها المعلن في ترتيب اتفاق عشية الثورة السورية يعظم من مكانتها الإقليمية وهو بطبيعة الحال يخصم من رصيد مصر بعدما باتت قطر تزاحمها في ملف فلسطين، والآن بات لديها نفوذ في منطقة حدودية أخرى لمصر، في الوقت نفسه فإن نفوذ قطر يضر أيضا بالحليف المصري الخليحي وهي الإمارات التي لا تخفي انزاعاجها من الثورة السورية، فهي الدولة العربية الوحيدة التي لا تخفي عداوتها للإسلام السياسي، وتبذل الغالي والنفيس للقضاء عليه.


خاتمة:
قد تكون العوامل السابقة سواء التي تتعلق بمصر بصورة مباشرة من مثل علاقات المعارضة المصرية مع نظام سوريا الجديد، أو الخبرات التي حازها بعض المصريين من المشاركة في حرب التحرير السورية أو الجيش المصري وما يواجهه من أخطار إسرائيلية، أو صورة الهروب الكبير للجيش السوري، والتداعيات الإقليمية الأخرى هو ما صنعت حالة القلق التي يعيشها النظام المصري (فشل النظام السياسي المصري على كافة مستوياته في إخفائها) ودفعت الرئيس المصري إلى عقد لقاء رفيع المستوى حرصت الجهات المسؤولة أن توجه منه رسائل مقصودة من حيث المشاركين ومكان عقد الاجتماع وموضوعات الاجتماع، بل لم يكتف الرئيس بذلك بل عقد لقاء مع الإعلاميين عقب لقائه بالمسوؤلين ووجه رسائل واضحة يؤكد من خلالها اختلاف نظامه عن نظام الأسد، أولها أن الشعب هو الضمان وهو الحماية (وهو ترجمة مباشرة لقراءته لمشهد الهروب السوري الكبير)، والثانية نفي تورطه في الدم، وهذه سيكون لها ما بعدها خاصة وأن تورطه في دماء المصريين يعلمها القاصي والداني، والثالثة أنه لم يأخذ أموال أحد، وهذه أيضا تفندها الحقائق أولها تولية أخيه لجنة مصادرة أموال جماعة الإخوان المسلمين، وأيضا القصور والطائرات التي يحيط نفسه بها تكشف عن النهب المنظم الذي يقوم به، وهناك الكثير من تصريحاته التي كان يفتخر فيها بذلك [أيوة بنيت وهبني هو انا بعمل حاجة ليا.. كله لمصر]، أو [انتوا فقرا قوي .. قوي]، أو غيرها من التصريحات المستفزة، وأخيرا ما تم كشفه من صور للقصر الجمهوري في العاصمة الجديدة.

وأخيرا تجسدت حالة القلق بأوضح ما يمكن في منع السوريين من الاحتفال بنجاح الثورة، وتردد أن من تظاهر قد تم اعتقاله، وأيضا قرار منع دخول السوريين إلى مصر إلا بموافقات أمنية، وغيرها من الإجراءات ما نعرف منها وما لا نعرف.
التحركات المتسارعة والمتسرعة من المعارضة المصرية: من جهة أخر منحت الثورة السورية قبلة الحياة إلى المعارضة المصرية، ومع ذلك فإن المعارضة فيما يبدو ـ حتى الأن ـ لم تستفد من ذلك واكتفت بالاحتفال بحالة القلق التي أصيب بها النظام، كما أن تصرفاتها لا تزال بعيدة عن المستوى المأمول منها، فلم يتم الاستفادة من التصريحات الموترة والمتوترة لقائد النظام المصري ومرت مرور الكرام واقتصر الاهتمام بها لفترة قصيرة جدا على الواقع الافتراضي، ولايبدو أن هناك أفق للاستفادة منها، وما طفا على سطح المعارضة كاف لإدراك هذه الخلاصة، من مثل بيان جماعة الإخوان المسلمين المكتب العام والذي دعا الشباب إلى الالتفات واستلهام نموذج الثورة السورية، أو تغريدات لبعض المعارضين في الخارج ـ محمد إلهامي ـ كل ذلك يؤكد على أن المعارضة تنزف الفرصة وتهدر الإمكانات التي يوفرها لها التاريخ ولم تستفد من حالة من الرعب تهيمن على النظام المصري.
للاطلاع على النص الكامل، يمكنكم الضغط على الرابط التالي