مصر: مجلس الشيوخ 2020؛ غرفة جديدة في بناء ديمقراطي متهالك

تاريخ النشر : 2020/08/11

 

#مصر: انتخابات مجلس الشيوخ 2020

غرفة جديدة في بناء ديمقراطي متهالك

 

في ظل الأجواء الاحترازية بسبب تبعات انتشار فيروس كورونا، وتساؤلات حول جدوى إضافة غرفة نيابية جديدة في بناء ديمقراطي متهالك إضافة إلي احتجاز مئات النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في حبس احتياطي لا نهائي مما أدي إلي عزوف المواطنين عن المشاركة في العملية السياسية بشكل عام خوفا من الحبس او الاضطهاد. وبعد تعديلات دستورية معيبة أقرها برلمان - الشيء الوحيد الذي يمثله هو رؤية وتعليمات الرئيس-  تعطي الرئيس صلاحيات مطلقة وتلغي دور السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وتضعهم كافة تحت أمرة السيد الرئيس.

انطلقت انتخابات مجلس الشيوخ المصرية، في ظل صمت سياسي وتحالفات غير مفهومة بين  أحزاب سياسية تاريخية توصف بـ«المعارضة»، مثل: «حزب الوفد الجديد» و«حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي» مع أحزاب الموالاة، مثل: «مستقبل وطن» و«حماة الوطن»، في قائمة انتخابية واحدة، سميت «من أجل مصر»، كما انضم إلى القائمة ذاتها الحزب الينايري«الحزب  المصري الديمقراطي الاجتماعي» وفي أحد أغرب المشاهد الانتخابية حول العالم حيث أن التصويت في الجزء الخاص بالقوائم يتم علي قائمة واحدة فقط ولا يوجد لها منافس مما يجعل المشهد استفتائي لا انتخابي وفي ظل عزوف المواطنين عن المشاركة مع غياب المعايير الأساسية لنزاهة الانتخابات كالتعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام وحرية التجمع السلمي.

وكان مجلس النواب المصري وافق على قانون مجلس الشيوخ في الخامس عشر من يونيو 2020، قبل أن تنشر الجريدة الرسمية تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 141 لسنة 2020 بإصدار قانون مجلس الشيوخ، في الثاني من يوليو 2020، وتبدأ خلال تلك الفترة بين موافقة البرلمان وتصديق الرئيس، ترتيبات خوض الانتخابات في مجلس قرر الدستور المصري لعام 2014 إلغاءه رسميًا، ليعود بعد 6 سنوات من “الموت”.

ومجلس الشيوخ المصري هو مجلس قُرر إنشاؤه ضمن التعديلات الدستورية 2019 لكن بصلاحيات محددة ومهام واضحة، على غرار كثير من المجالس في دول العالم، ومنها فرنسا وايطاليا والهند والبرازيل والأرجنتين وكندا وجنوب أفريقيا وأستراليا واليابان وسويسرا.

ويتم انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ بموجب (100) مقعد للانتخاب بالنظام الفردي و(100) مقعد للانتخاب بنظام القوائم المغلقة المطلقة، و (100) مقعد بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية، على أن يُخصص للمرأة ما لا يقل عن 10% من إجمالي عدد المقاعد.

وتقسم الجمهورية إلى (27) دائرة تخصص للانتخاب بالنظام الفردي، و (4) دوائر للانتخاب بنظام القوائم، تخضع لتصويت نحو 63 مليون ناخب، في 11500 مركز انتخابي، و27 لجنة عامة، ونحو 15000 لجنة فرعية، وقرابة 20500 من القضاة للإشراف على إدارة الانتخاب، ونحو 120000 أمين لجنة.

 

صلاحيات محدودة

وفقًا لقانون مجلس الشيوخ الذي صدر هذا العام تكملةً لتعديل دستوري أُقر العام الماضي وأعاد الغرفة الثانية بالبرلمان المصري من جديد بعد غياب لنحو سبع سنوات، فإن مجلس الشيوخ يختص بدراسة ومناقشة اقتراحات تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، مناقشة مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. إقرار معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة. مناقشة مشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب. مناقشة ما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشئون العربية أو الخارجية.

كواليس التحالفات:

الفترة من 15 يونيو وحتى يوليو شهدت العديد من الاجتماعات واللقاءات لاختيار الأسماء التي تخوض السباق الانتخابي، سواء بتشكيل قائمة انتخابية تنافس على 100 مقعد، وهي تلث تشكيل المجلس، و100 آخرين بالنظام الفردي، فضلًا عن 100 مقعد يختار رئيس الجمهورية أسماء الجالسين عليها، وقيل في الأوساط السياسية، العديد من علامات الاستفهام أحاطت بما يدور في الكواليس لاختيار قائمة موحدة تخوض انتخابات مجلس الشيوخ بنسبة نجاح محسومة سلفًا، ودور الأجهزة السيادية في اختيار أعضاءها، وما إذا كان للمال السياسي الصوت الأعلى في الانتخابات النيابية.

إن طاولة المفاوضات التي ظلت تنعقد منذ ما يقرب من عام، ظهر منها إعلاميًا الحوار المجتمعي لعدد من الأحزاب السياسية، لتنتهي بتحالف انتخابي وليس سياسي لـ”11” حزب وهم: “مستقبل وطن، والشعب الجمهوري، والوفد، وحماة الوطن، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، والإصلاح والتنمية، والحركة الوطنية المصرية، والتجمع، ومصر الحديثة، والحرية، والمؤتمر”، تشكلت منهم القائمة، فيما تم التخلي عن التمثيل بالقائمة عن أحزاب: “المحافظين، والعدل، والمصريين الأحرار”.

الطاولة – بحسب المفاوضون الذين تحدثوا لنا – شهدت خلافات ومشادات حادة بين اللجنة المسئولة عن وضع الأسماء، وخرجت قائمتين، سربت الأولى بنسب مختلفة عن التي اعتمدت بالأخير، حيث تضمنت القائمة الأولى تمثيل 40% لحزب مستقبل وطن، يليه حزب الشعب الجمهوري بنسبة 23%، ومن ثم حماة الوطن بنسبة 15 مقعدًا، يليه الوفد بـ8 مقاعد، و5 مقاعد لتنسيقية شباب الأحزاب والسياسين، والتي نالتها دون انتقاص، ثم 3 مقاعد لباقي الأحزاب.

وظهرت القائمة النهائية التي لم تكن مسربة بمجرد إعلان الترشح، وحازت على أغلبية لمرشحي مستقبل وطن، مقابل تقليص نسب الأحزاب الأخرى بها، حيث اعُتمد 10 مقاعد فقط لحزب الشعب الجمهوري، الذي ترأسه أحمد أبو هشيمة مؤخرًا، و6 فقط للوفد، و3 من نصيب حزب حماة وطن، لينتصر بالأخير “الأمن الوطني” في اعتماد القائمة التي تم تشكيلها، والتي تُعرف بـ”قائمة من أجل مصر”، بالإضافة لاعتماد مرشحيه الـ93 على المقاعد الفردية و7 مرشحين عن حزب الشعب الجمهوري، لتكتمل بذلك النسبة المخصصة لهذه المقاعد.

قالت تسريبات صحافية إنه تم تخصيص ستة مقاعد للوفد، وأربعة للمؤتمر، و10 لحماة الوطن، و10 للشعب الجمهوري، وثلاثة للإصلاح والتنمية، ومقعدين للحركة الوطنية، وثلاثة للتجمع، وثلاثة للديمقراطي الاجتماعي، و40 لمستقبل وطن،

من جانبه، وفي بادرة استرعت نظر المراقبين، أعلن «حزب المحافظين» عدم مشاركته في الانتخابات، بعد اطلاع المجلس الرئاسي للحزب على تقرير اللجنة الدائمة للانتخابات. وقال المجلس الرئاسي للحزب، في بيان، إن «عدداً من مرشحي الحزب على قوائم شرق وغرب الدلتا، تعرضوا للتعنت والمضايقات أثناء تقديمهم أوراق ترشحهم وإجراء الكشف الطبي، وإن الحزب قرر عدم خوض الانتخابات، آملاً أن يكون هذا دافعاً لتحسين المناخ العام، ليتمكن الحزب من القيام بدوره كحزب سياسي وطني، في ظل احترام التعددية الحزبية».

حزب آخر لم يكن له نصيبًا كبيرًا بالقائمة كما كان من المرتقب أن يحدث، وذلك طبقا لمفاوضات تعود لعام مضى، بسبب مموله، أحد رجال الأعمال، والذي خرج من السجن بعفو رئاسي واتهامات نالت من رئيسه باستغلال اسمه، وهو حزب الحرية”، الذي انتهت المفاوضات معه باشتراط تنحي النائب صلاح حسب الله، رئيس الحزب والمتحدث باسم البرلمان، عن منصبه الحزبي مقابل الحصول على مقعدين فقط، واستبدل حسب الله بالنائب معتز محمود على طاولة المفاوضات.

أما بشأن تنسيقية شباب الأحزاب، والتي تُعد لاعبًا جديدًا في الساحة الانتخابية، فهي كيان شبابي عكف جهاز سيادي على تشكيله ليحظى بـ5 مقاعد بمجلس الشيوخ، ومن المرتقب أن يكون نفس التمثيل من نصيبهم ضمن الـ100 شخصية المرتقب تعينها من قبل رئيس الجمهورية.

 

زيادة تمثيل المرأة

أعلنت 91 امرأة اعتزامها خوض الانتخابات على المقاعد الفردية دون مساندة من الأحزاب أو التكتلات السياسية من أجل إثبات تواجدهن في الشارع السياسي المصري.

وتخوض السيدات الانتخابات في 20 دائرة على مستوى الجمهورية، من أصل 787 مرشحًا، وحظت القاهرة بالعدد الأكبر من المرشحات بمجلس الشيوخ، بواقع 25 مرشحة، وتأتي محافظة الإسكندرية في المرتبة الثانية بـ12 مرشحة، والقليوبية في المركز الثالث بواقع 9 مرشحات. 

تأتي المنافسة النسائية على المقاعد الفردية، لتتناسب مع الحد الأدنى من مقاعد المرأة في مجلس الشيوخ وفقًا لقانون المجلس بـ30 مقعدًا للمرأة تتوزع بواقع 20 مقعدًا على الأقل، بنظام القائمة المغلقة المطلقة، والتي كانت السبيل الوحيد لضمان تنفيذها وحيازتها للنسبة التي حددها القانون، كما يعين رئيس الجمهورية 10 سيدات على الأقل.

 

مخاوف مشروعة:

وتشير خلفيات تشكيل القوائم الانتخابية للترشح لخوض انتخابات مجلس الشيوخ العديد من المخاوف حول نزاهة العملية الانتخابية وإعمال مبدأ حرية الترشح والاختيار،

وتأتي هذه المخاوف في ظلال التشكيك في مدى جدوى المجلس برمته ليس فقط من حيث محدودية المهام الموكله له ولكن أيضا من حيث شروط الترشح التي تسمح للكافة الترشح وبالتالي ينتفي معه الهدف الأساسي منه وهو اعتباره مجلس للحكماء الذي يناقش القوانين والاتفاقيات قبل التصويت عليها في مجلس النواب، ومبعث هذه المخاوف ما يلي:

  1. وجود العديد من رجال الأعمال على رأس بعض القوائم وتحكم بعضهم في اختيار المرشحين على القائمة وفي غياب رقابة حقيقية على الإنفاق على الدعاية في الانتخابات وكذلك انتشار بعض أشكال الرشاوي الانتخابية يشير بتحكم المال السياسي في العملية الانتخابية وهو ما يهدر مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين وهو احد الدعائم الأساسية لأي انتخابات نزيهة.

  2. ان صحت بعض التسريبات والاتهامات التي تشير إلى تدخل بعض الجهات السيادية في اختيار مرشحي القوائم والأحزاب التي تضمها القائمة، وكذلك تعرض بعض مرشحي الأحزاب الأخرى لمضايقات اثناء عملية الترشح بحسب زعم بعض الأحزاب، ولعل هذا الانحياز أيضا يشكك في مدى نزاهة وحيادية العملية الانتخابية برمتها وما سوف تسفر عنها من نتائج.

  3. السماح لعدد محدود من منظمات المجتمع المدني سواء المحلية أو الدولية بمراقبة الانتخابات سواء من بداية إجراءات الترشح او أثناء العملية الانتخابية نفسها واقتصار التصريح على عدد محدود من المنظمات المتهم بعضها بموالاتها للدولة هو ما يثير الشكوك حول جدوى عملية المراقبة ومصداقية ما تصدره من تقارير.

  4. أن غياب الإشراف الكامل للقضاء على العملية الانتخابية وخاصة مرحلتي التصويت والفرز وأخيرا تجميع وإعلان النتائج والاكتفاء بالعديد من الموظفين التابعين للدولة يشكك أيضا في مدى حيادية ونزاهة هذه الانتخابات، خاصة في ظل عزوف المواطنين عن المشاركة في العملية السياسية بشكل عام والانتخابات بشكل خاص خاصة في الانتخابات التي تبدو غير مؤثرة او محسومة سلفا وهو ما شهدته مصر في عدد من المناسبات التصويتية السابقة وكان آخرها التصويت على التعديلات الدستورية 2019.

  5. القيود المفروضة على حرية المشاركة السياسية مما يقوض مصداقية العملية الانتخابية برمتها حيث لا توجد مساحة للأحزاب للتعبئة السياسية وطرح البرامج ومناقشتها حيث أن أي تجمع ذو صبغة سياسية في مصر هو عرضة لحملات الاعتقال كما حدث في قضية خلية الأمل.

  6. غياب التوعية الانتخابية : أن اللبنة الأساسية للعملية الانتخابية هو وجود ناخب واع ومطلع على الرؤى والبرامج ولديه مساحة للاشتباك مع الأفكار السياسية وفهم جوهر النظام الأنتخابي وفي ظل الوضع الحالي فأنه لا يوجد مساحة للمجتمع المدني للقيام بدوره التوعوي كما لا يوجد مساحة لدى الأحزاب السياسية لطرح رؤاها وبرامجها على المواطنين مما يخلق ناخب غير واع مدفوع بتعليمات وظيفية أو بمال سياسي وفي الحالتين هو أمر لا يعبر عن جوهر العملية الديمقراطية والحق في الاختيار.

  7. المعتقلين من النشطاء السياسيين:  تضم السجون المصرية مئات النشطاء السياسيين الذين يؤمنون بالعملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ولكن ذلك لم يكن لهم شفيعا لدى النظام السلطوي الحالي. العديد من شباب ثورة يناير ورموزها السياسية " مرشحين محتملين"  مغيبين داخل السجون أو خارج الوطن هربا من الاعتقال والملاحقة الأمنية. ومن نجا من الحالتين ترك المجال العام خوفا على نفسه وذويه من الاضطهاد والملاحقة. هذا المشهد يغيب ثورة يناير ويحاول محو الدور التاريخي الذي قدمه شباب ورموز الثورة في تغيير الحياة السياسية المصرية ويستبعد رؤواهم تماما من المشهد السياسي ليس بدحضها فكريا ولكن بقمعها بوليسيا.

وإذا كانت هذه الشكوك والأجواء تحيط بانتخابات مجلس الشيوخ المشكوك في مدى جدواه فكيف يمكن تخيل الأجواء التي ستحيط بانتخابات مجلس النواب المزمع عقدها في الفترة القادمة وهو ما يدعو مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف بأن تقوم اللجنة الوطنية للانتخابات بمراجعة كافة الإجراءات والاشتراطات التي تضمن نزاهة العملية الانتخابية وتكافؤ الفرص بين المرشحين كافة من مختلف القوى السياسية سواء على مستوى القوائم او المرشحين الفرديين ونناشد السلطات المصرية بالسماح بمراقبة محلية ودولية ذات مصداقية واطلاق سراح السجناء ومراجعة القوانين المقيدة للحق في التجمع والحق في التنظيم وتحرير الحياة السياسية، الحقوقية والاعلامية من قبضة القمع الغاشمة.



 


جميع الحقوق محفوظه © 2014 لمركز أندلس لدراسات التسامح و مناهضة العنف