تضامنا مع الكاتب أحمد ناجي ودفاعا عن حرية الإبداع
ينبغي وضع حد نهائي للاستخفاف بالدستور وضمانات الحريات العامة
بيان صحفي
يعرب مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف عن انزعاجه الشديد إزاء صدور حكم نهائي بحق الكاتب الصحفي أحمد ناجي يقضي بحسبه لمدة عامين بعد إدانته بتهمة "خدش الحياء العام" على خلفية نشر أحد فصول روايته "استخدام الحياة"، بأحد أعداد مجلة "أخبار الأدب". كما تضمن الحكم معاقبة رئيس تحرير المجلة طارق الطاهر بغرامة قدرها 10 آلاف جنيه، وبذلك تكون المحكمة قد طبقت الحد الأقصى للعقوبة على "خدش الحياء العام" سواء فيما يتعلق بالحبس أو الغرامة وفقا لنص المادة 178 من قانون العقوبات، التي تقضي بأن يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر أو صنع أو حاز بقصد الإتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض، مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صور أو رسوم أو إشارات رمزية إذا كانت خادشة للحياء العام.
يلفت النظر أن الحكم الإبتدائي الذي سبق صدوره من محكمة جنح بولاق أو بالعلا في 2 يناير 2016 قد انتهى إلى تبرئة الكاتب الصحفي ورئيس تحرير أخبار الأدب من تهمة خدش الحياء. ويُظهر التضارب فيما بين الحكمين الإشكالية التي تعتري نصوص قانون العقوبات التي تجرم افعالا أو أمورا تستعصي على الضبط القانوني وتفتح المجال لإعمال التقديرات أو الإنحيازات الفكرية والثقافية للمحقق والقاضي وهو ما ينطبق في هذه القضية على تهمة خدش الحياء التي يختلف الاحساس بها من زمن إلى آخر ومن شخص إلى آخر.
وقد عبرت عن ذلك بصورة واضحة محكمة أول درجة حيث أكدت في حيثيات حكمها "إن تقييم الألفاظ أو العبارات الخادشة للحياء أمر يصعب وضع معيار ثابت له، فما يراه الإنسان البسيط خدش للحياء يراه الإنسان المثقف أو المختص غير ذلك، وما يراه صاحب الفكر المتشدد خدشا للحياء، لا يراه صاحب الفكر المستنير كذلك". وإعتبرت المحكمة "أن ما تضمنه العمل الأدبي لناجي من الفاظ وعبارات إرتأت النيابة العامة إنها تخدش الحياء، إنما هو في إطار عمل أدبي وسياق عام لقصة حاكها المتهم الأول من وحي خياله".
وعلى الرغم من أن القضية قد تم تحريكها بناء على بلاغ مقدم من أحد المواطنين فإن ذلك لا يعفي السلطات المصرية من مسئوليتها في تعريض المفكرين والمبدعين والصحفيين وأصحاب الرأي للترهيب والسجن تحت وطأة نصوص معادية لحرية الفكر والتعبير والإبداع سواء بإسم خدش الحياء أو بدعوى إزدراء الأديان كما حدث مؤخرا بحق الكاتب إسلام بحيري، والكاتبة فاطمة ناعوت، مثلما لا يعفيها من مسئوليتها عن الزج بالقضاء لإعمال سلطاته التقديرية في حسم الصراعات الفكرية.
إن مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف إذ يؤكد تضامنه مع الكاتب أحمد ناجي ومجلة أخبار الأدب، فإنه يشدد على ضرورة وضع حد لتقاعس السلطات في مصر عن القيام بمسئوليتها الواجبة في إصلاح حزمة واسعة من التشريعات لضمان تماشيها مع دستور 2014، الذي يظل حبرا على ورق بعد عامين من إعتماده.
ومن المؤسف أن الحكم الصادر بحبس أحمد ناجي يضرب في الصميم أحكام المادة 67 من الدستور الحالي والتي تنص على أن "حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وإبداعاتهم.." كما تضيف المادة إنه
"لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوي لوقف أو مصادرة الاعمال الفنية والادبية والفكرية أو ضد مبدعيها الا عن طريق النيابة العامة ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب لسبب علانية المنتج الفني أو الادبي أو الفكري. أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الافراد، فيحدد القانون عقوباتها".
وقد كان يتعين على محكمة الجنح المستأنفة إعمال النص الدستوري الذي يسمو على القانون، والأصلح في ذات الوقت للمتهم، أو على الأقل أن توقف نظر الدعوى وتحيل من تلقاء نفسها إلى المحكمة الدستورية العليا نص المادة 178 عقوبات للنظر في دستوريتها قبل أن تصدر حكمها.
إن مركز اندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف يؤكد أيضا أن هذا الحكم يأتي كاشفا لمدي استخفاف السلطات بالتعهدات الطوعية التي اختارت أن تلتزم بها بأرادتها الحرة امام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة منذ نحو عام في ختام الجولة الثانية للاستعراض الدوري الشامل لسجل حقوق الإنسان في مصر في مارس 2015. حيث تعهدت الحكومة بتنفيذ ما لايقل عن 15 توصية تتعلق جميعها بضمان حرية التعبير بجميع اشكالها بما في ذلك التعبير الفني، وباجراء التعديلات الواجبة على التشريعات لضمان تماشيها مع الدستور الحالي وعلى وجه الخصوص تعديل قانون العقوبات من اجل ضمان الحقوق الدستورية في حرية الفكر والتعبير والصحافة والنشر.
ويطالب المركز السلطات المصرية بوضع حد نهائي للانتهاكات اليومية للضمانات الدستورية للحقوق والحريات العامة وعلى الأخص حريات التعبير والفكر والابداع والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات كما يدعو إلي الافراج الفوري عن الكاتب الصحفي احمد ناجي سواء عبر الصلاحيات القانونية التي يتمتع بها النائب العام بشأن وقف تنفيذ العقوبة المجافية للدستور أو من خلال صلاحيات رئيس الجمهورية في العفو عن العقوبة.
ويشدد المركز على ضرورة تضافر مختلف جهود الأوساط الصحفية والكتاب والمبدعين والجماعات الحقوقية والمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان لحفز الحكومة ومجلس النواب لتحمل مسئولياتهم الدستورية والقانونية في إعادة الاعتبار للضمانات الدستورية للحقوق والحريات العامة والمسارعة باجراء المراجعة الواجبة للتشريعات التي تتعارض مع تلك الحريات والحيلولة دون المزيد من الانتهاكات لنصوص وروح الدستور والوفاء بالتعهدات التي قطعتها مصر على نفسها امام الأمم المتحدة من اجل الارتقاء بحقوق الانسان وضمان الحريات العامة وفي القلب منها حريات الفكر والتعبير والابداع الادبي والفني.